إغلاق

ملخص العلم هذا الأسبوع

إطلع على أرشيف ملخصات الأسابيع السابقة!

الفلسفة والذرة (المادة) !

  • تعليق
إن من يعتقد أن علم المستقبليات هو علم معاصر لابد و أن يعيد النظر في اعتقاده.
لاشك أن التطور المعاصر في التقاليد العلمية يرتبط بعلم المستقبليات، فلم يعد العلم يهدف فقط إلي وصف الواقع أو حتي تفسيره، ولكنه أصبح يتجاوز ذلك ليضيف إلى أهدافه أيضا مهمة التنبؤ بالمستقبل، لم يكن هدف الفلاسفة الطبيعيين القدماء يختلف كثيرا لكن الفرق يكمن في اعتمادهم على الانطباعات أو التأملات الفلسفية لا على التحليل العلمي الواقعي لمتغيرات الواقع كما يحصل اليوم و لكي نختبر مدى نجاحهم في ذلك سنتطرق لبعض تصوراتهم فيما يخص مكونات المادة و نستعرض معظم اسهاماتهم في هذا المجال.

عندما عثر طاليس على أصداف بحرية في أعالي الجبال قفز إلى النتيجة القائلة إن كل شيء في هذا العالم مكوّن من الماء. غير أن اليونانيين تابعوا مسيرتهم للوصول إلى فهم الموضوع، و إعتبروا أن مادة واحدة غير كافية لتفسير تنوّع المواد في العالم. فنادى أنكسيمنس بنظرية الهواء هذا و قد طور هيراقليطس فكرة طاليس، إذ ذهب إلى أن من الضروري وجود عامل للتغيير و أضاف النار إلى مجموعة العناصر الأساسية للمواد و سرعان ما ارتأى إمبيدوقليس أن من الصعب تكوّن المواد الصلبة من الماء و الهواء و النار فقط، و من تم لابد أن يضاف إلى هذا الخليط التراب. و قد كان من المؤكد إطلاع أرسطو على إختزال إمبيدوقليس للعالم في عناصره الأربعة و حاجّ في أن عالمنا و هو مسرح التغير و الإضمحلال كان مختلفا تماما عن الكرة السماوية الأبدية، و أن هذه العناصر الأربعة ملائمة للعالم الأرضي دون الكرة السماوية. و فيما يتعلق بالكرة السماوية السرمدية الرائعة، فقد إرتأى أرسطو ضرورة وجود مكون خامس أساسي هو "الجوهر".

و بالطبع فكل هذا كان خاطئاً لأن جميع هذه المواد لم تكن عنصرية إلاّ أن افتراض وجود عناصر و إن كانت خاطئة، حرّض على السؤال الأهم : هل المادة متصلة أم متقطعة ؟ و بعبارة أخرى أمن الممكن تجزئة العناصر إلى ما لا نهاية إلى أجزاء أصغر، أم أن المادة متقطعة بمعنى أن التجزئة ستوصلنا في النهاية إلى شيء لا يمكن تجزئته ألا و هو الذرة ؟ لما كان من المستحيل الإجابة عن هذا السؤال تجريبيا فقد لجأ اليونانيون إلى التأمل و التخيل، و من ثم كان لكل من هاتين الفكرتين أنصارها.

بوسعنا تعقب المسار المحظوظ بالعودة زمنيا إلى لوسيبوس الذي تصور المادة حبيبية، و كأنها مكوّنة من ذرات تنتهي إليها عملية تجزئة المادة. و قد حاجّ لوسيبوس في أن المادة لن تكون خالدة إلاّ إذا كان ثمة نهاية لعملية التجزئة، لأنه إن لم نصل إلى هذه النهاية، لآل كل شيء إلى الزوال قبل زمن طويل. ثم طوّر تلميذه ديموقريطس هذه النظرية إذ يروى أن ديموقريطس لاحظ أثناء سيره ذات يوم أن المادة « مثل الرمال » كانت تبدو وحدة واحدة حين ينظر إليها عن بعد، لكن عن قرب يتضح أن الشاطىء يتكون من حبات رمل منفصلة ففكر على سبيل المثال أن مياه المحيط يمكن تقسيمها إلى قطرات أصغر و أصغر حتى نصل إلى أجزاء تخيلها ضئيلة أطلق عليها اسم a-tomos و التي تعني باليونانية "غير قابلة للتقسيم" و لا غرابة في أن نجد في اللغة الفرنسية مثلا اسم atome و التي تعني الذرة. و مع ذلك فإن فكرتهما عن الذرات كانت بعيدة جدا عما نعرفه اليوم عنها. فقد اعتبرت النظرية الذرية لديموقريطس وجود ذرات مختلفة الأشكال و الحجوم و قد ارتأى وجوذ ذرات للبن الحليب و ذرات للفحم و ذرات للعظام و ذرات للماء. لم يكن رأيه معتمد على التجربة لذا ارتأى وجود ذرات للبصر و الصوت و الروح.

كان أفلاطون و تلميذه أرسطو من أشد المعارضين للمذهب الذري، و كانت نظرتهم القوية و إن كانت فاسدة، إلى العالم هي المهيمنة و أن المذهب الذري مجرد ابتداع و تلفيق. لقد كانت قوة نفوذ أفكار أرسطو كبيرة إلى درجة أصبحت فيها من أهم أركان الفهم البشري، بعد أن أضيف إليها القليل من الأفكار الأخرى، طوال ألفي سنة. و قد ساعدت أفكار أرسطو المعارضة للنظرية الذرية لديموقريطس المشتغلين في الكيمياء القديمة ( الخيميائيين ) في مساعيهم المضللة و غير المثمرة.

ترى هل نجحت تأملات الفلاسفة في استقراء و سبر أغوار المادة ؟
و هل استطاع بعضهم التغلب على أحدث المجاهر والتنبأ بالطبيعة الفيزيائية الحقيقية للمادة ؟

إعداد وتقديم: Aziz Amrar
تصميم الصورة: Achraf Bartya
_______________________

#الباحثون_المغاربة #فلسفة #فيزياء #ذرة #مادة

شاهد ايضا مواضيع مشابهة