إغلاق

ملخص العلم هذا الأسبوع

إطلع على أرشيف ملخصات الأسابيع السابقة!

مفارقة زينون Zeno's paradoxes

  • تعليق
«يحكى في سالف الزمان أن أخيل (1) Achilles صادف سلحفاة على الطريق، فدعته هذه السلحفاة للتسابق، وجد أخيل في ذلك مدعاة للتسلية فوافق على ذلك.
لكن السلحفاة استأذنته بأن تكون البادئة في الانطلاق متعللة بأنها أبطأ كثيرا منه. وافق أخيل على ذلك على أساس أنه أسرع منها و لا شك سيكون هو الفائز، وانطلقت السلحفاة بادئة السباق. وبعد برهة من الزمن صرفها أخيل في ربط أحد شريطي حذائه، انطلق هذا البطل من خط البداية لاحقا بالسلحفاة.
وكانت سرعة أخيل 1متر في الثانية بينما سرعة السلحفاة هي 0.5 متر في الثانية.


akhil
فى بداية السباق كانت السلحفاة تسبق أخيل بمتر كامل.
ابتدأ أخيل والسلحفاة العدو في نفس اللحظة. وهنا يطرح زينون سؤالا يبدو بديهي الجواب، هل سيتخطى أخيل السلحفاة؟
و الإجابة التي يعرفها كل إنسان هي طبعا نعم، فأخيل أسرع من السلحفاة. صحيح انه ابتدأ من نقطة تتأخرعن السلحفاة بمتر كامل لكن فارق السرعة لصالحه ما من شأنه أن يعوض هذا التأخر لاحقا. لكن زينون اثبت انه على الجانب الآخر فانه من المستحيل ان يلحق أخيل بالسلحفاة ناهيك على أن يتخطاها.!!
وهكذا كانت حجة زينون: إذا كانت المسافة بين أخيل والسلحفاة هي 1 متر في البداية . فكم من الوقت يحتاج أخيل حتى يصل إلى موضع السلحفاة التي يراها فيه في بداية السباق؟ الإجابة سهلة: حيث أن أخيل يعدو بسرعة 1 متر في الثانية فهو سوف يحتاج إلى ثانية كاملة. لكن في خلال هذه الثانية فان السلحفاة لن تبقى ثابتة ولكنها سوف تكون قد تحركت مسافة نصف متر إلى الأمام. إذن الآن وبعد ثانية من بداية السباق فسوف يجد أخيل أن السلحفاة ما زالت تسبقه بمسافة نصف متر، صحيح أن المسافة قلت عن البداية ولكنها ما زالت تسبقه.
الآن كم من الزمن يحتاج أخيل حتى يصل إلى موضع السلحفاة حيث يراها؟
الإجابة سهلة انه سوف يحتاج إلى نصف ثانية. لكن كما سبق بعد مرور النصف ثانية هذه سوف يجد أن السلحفاة ما زالت تسبقه بربع متر. الآن سيقطع أخيل هذه المسافة في ربع ثانية ليجد السلحفاة تسبقه بثمن متر. وهكذا فسوف تستمر هذه العملية إلى اللانهاية، حيث سيبقى يلزم أخيل في كل مرة نصف الوقت الذي قطعه سابقا ليصل للموضع الجديد للسلحفاة، و هكذا ستظل السلحفاة هي السباقة مهما صغرت المسافة بينها و بين أخيل»tortue_akhil
كانت هذه ملخصا لمسألة فلسفية صممها الفيلسوف زينون تدعى “مفارقة أخيل والسلحفاة ” مع أحاج أخرى ليدعم بها نظريات أستاذه پارمينيدس الفلسفية التي كان معظم فلاسفة الإغريق يسخرون منها باعتبارها تناقض الواقع القائم متعللين بكثير من المفارقات تأيد أفكارهم و تعارض أفكار پارمينيدس، فكانت هذه المفارقة تستهدف الدفاع عن هذه الأفكار و وضع الفلاسفة الآخرين موضع الارتباك و أن يضربهم في مقتل وأن يزعزع ثقتهم المغرورة في انفسهم وفي فلسفتهم ويوضح لهم ان منهج بارميندس ليس سخيفا أو اقل حكمة من أفكارهم بل افضل منها جميعا، حتى أنه لم يكن همه أن يجد لها حلا.
لقد كانت هذه النتيجة صدمة بالنسبة للإغريق. فقد كان البرهان في حد ذاته صحيحا ومنطقيا حسب علم الإغريق ولكنهم كانوا مع ذلك يعلمون أن هذه النتيجة مستحيلة.
إذن أين يكمن الخطأ ؟ أتكمن في فلسفتهم كلها التي كانوا يعتقدون أنها في غاية المنطقية و الحكمة؟!
كانت مفارقة زينون مرعبة ومدمرة. بقت هذه المفارقة قائمة عبر ألفي سنة تقريبا ولم يستطع احد حلها بشكل سليم ومُرضٍ. ولكن رياضيات اليوم وجدت حلا
لهذه المشكلة. فمشكلة الإغريق كانت تكمن في انهم لم يعرفوا 3 مفاهيم أساسية نعرفها نحن اليوم. هذه المفاهيم هي العددين صفر واللانهاية بالإضافة إلى حساب النهايات.
سنحاول في هذا المقال تقريب هذا الحل باستعمال مفهوم المتتاليات، و سيتم التطرق لمفهوم النهاية في موضوع مستقل لأن هذا المفهوم استغرق عقودا من الزمن حتى تمكن علماء الرياضيات من تكوين الأدوات الرياضية للتعبير عنه .

إذا تفحصنا المسألة جيدا سنجد أن أخيل سيحتاج إلى 1 ثانية في المرة الأولى ليصل للسلحفاة ثم إلى \frac{1}{2} ثانية ثم \frac{1}{4} ثانية ثم \frac{1}{8}  ثانية ، ثم \frac{1}{16} ثانية ثم…
فإذا رمزنا ب : t_n للوقت الذي يلزمه ليلحق بالسلحفاة في المرة n، فإننا نجد:
t_1=1
و t_2=1+\frac{1}{2}
و t_3=1+\frac{1}{2}+\frac{1}{2^2}
و t_4=1+\frac{1}{2}+\frac{1}{2^2}+\frac{1}{2^3}
و t_n=1+\frac{1}{2}+\frac{1}{2^2}+\frac{1}{2^3}+...+\frac{1}{2^{n-1}}
كان فلاسفة الإغريق في حدود معرفتهم يفترضون أن مجموعا غير منته من حدود أعداد سيكون عددا غير منته أيضا، فهل هذا صحيح ؟
في معظم الحلات هذا الأمر صحيح، لكنه ليس كذلك في حالتنا هته، كيف ذلك؟ كيف يعقل أن يكون مجموع لا نهاية له من الحدود عددا منتهيا؟
نحتاج لإثبات الأمر لوسائل رياضياتية، سنحاول تبسيطها قدر المستطاع.
من أجل ذلك سنحاول إيجاد صيغة أخرى للتعبير السابق : t_n
لدينا:\frac{1}{2}t_n=\frac{1}{2}+\frac{1}{2^2}+\frac{1}{2^3}+...+\frac{1}{2^{n-1}}+\frac{1}{2^n}
أي: \frac{1}{2}t_n=t_n-1+\frac{1}{2^n}
أي: \frac{1}{2}t_n-t_n=\frac{1}{2^n}-1
أي: -\frac{1}{2}t_n=\frac{1}{2^n}-1
أي : \frac{1}{2}t_n=1-\frac{1}{2^n}
أي: t_n=2-\frac{2}{2^n}
أي: t_n=2-\left({\frac{1}{2}}\right)^{n-1}
كلما قمنا بتكبير العدد n (أي عدد مرات محاولة لحاق أخيل بالسلحفاة) كلما كبر التعبير 2^{n-1} و بذلك يصغر التعبير \left({\frac{1}{2}}\right)^{n-1} ليصل إلى قيم قريبة جدا من الصفر، ما نصطلح عليه في الرياضيات أن نهاية هذا التعبير في زائد لانهاية هو الصفر، ما يعني أن المجموع t-n سيقترب من العدد 2 كلما كبر ، ما يعني أن تجميع الحدود غير المنهية سيعطي في النهاية العدد 2.
على الرغم من أن هذا الحل المقترح يبين إمكانية تجاوز أخيل للسلحفاة ، لكنه في نفس الوقت يطرح مشكلا آخر، فلكي يتحقق هذا الأمر يجب أن تتكرر محاولات أخيل تكرارا غير منته!!! فأين يكمن الخلل؟
إن الخلل يكمن في افتراضنا أننا نستطيع تجزئيء الحركة لعدد معدود و بذلك نفترض أن الوقت يمكن إيجاد تقابل بينه و بين مجموعة الأعداد الصحيحة الطبيعية، لكننا نعلم من الناحية الرياضياتية و الفيزيائية أن ذلك أمر غير صحيح فالوقت يمثل البعد الرابع في دراستنا للحركة شأنه شأن محاور الأفاصيل و الأراتيب و الأناسيب التي نربط كلا منها بمجموعة الأعداد الحقيقية التي لا يمكن الفصل بين عناصرها و لا كتابتها بتفصيل، كل هذا سيحيلنا إلى مفهوم الاتصال.
فالحركة تتسم بهذه الصفة فلا يمكننا أن ندرس لحظتين مهملين كل اللحظات التي تفصلهما، كل هذا أدى بالفيزيائيين و الرياضياتيين إلى تعريف لسرعة تحرك جسم أحدث ثورة في تقدم العلوم : \overrightarrow {V_{\left( {t = t_0 } \right)} }  = \mathop {\ell im}\limits_{t \to t_0 } \frac{{\overrightarrow {OM}  - \overrightarrow {OM_0 } }}{{t - t_0 }}
هذا التعريف كان نتاجا لحل مثل هذه المفارقات التي أدت إلى ظهور مفاهيم في الرياضيات كالنهاية و مفهوم اللانهاية و مفهوم الاتصال ثم الاشتقاق ثم التكامل، هذه المفاهيم التي يعود لاكتشافها الفضل كل الفضل (بعد الله سبحانه و تعالى) في ما وصل إليه العلم الحديث من نتائج باهرة، و لا زال البحث مستمرا لحل ألغاز و مفارقات يبدو فك رموزها في الوقت الراهن ضربا من الخيال.
(1) آخيل بطل يوناني اشتهر في حرب طروادة، و جاء ذكره في إلياذة هوميروس
بتصرف عن موقع “مجلة العلوم : http://www.oloommagazine.com” و موقع “روائع العلوم : http://eltawil.org/sciencewonders/”

شاهد ايضا مواضيع مشابهة