إغلاق

ملخص العلم هذا الأسبوع

إطلع على أرشيف ملخصات الأسابيع السابقة!

سر الوجود!

  • تعليق

من أين جاء الكون، الكوكب، الإنسان؟
أمام المشهد الكوني المذهل، هذا السؤال يتبادر إلى الذهن بشكل تلقائي.. كيف ولد كل هذا؟ لماذا هو موجود؟ والتساؤلات لا تتوقف عند هذا الحد فقط؛ فهناك من يطرح فكرة أخرى: لماذا هناك وجود بدلاً من العدم؟ ولماذا يميل العدم إلى خلق أكوان وعوالم؟

ما نعرفه عن الكون هو أنه جاء إلى الوجود، من الفراغ، على صورة انفجار عظيم قبل أكثر من 13.7 مليار عام.. ومع الكون، جاء الزمان والمكان.. لكن كيف حدث كل ذلك؟ ولماذا؟ لماذا الكون موجود الآن وفق الصورة التي

نعـرفه بها؟ كلها أسئلة ليس من السهل الإجابة عنها.. تكفي الإشارة إلى مـدى صعوبة تصور الفكرة الخاصة بمجيء الكون إلى الوجود من العدم.. هذا من دون التفكير بماهية العدم نفسه (والذي يعرفه العلماء بأنه الفراغ
الخالي من أي جسيمات، مع احتمال احتوائه على طاقة).. لكن، من وجهة نظر العلم، هذه الأسئلة منطقية؛ إذ إن قوانين فيزيائية أساسية تشير إلى أن احتمال قدومنا إلى الوجود نحن والكون الذي نعيش فيه هو احتمال ضئيل جداً.
وفقاً لقانون الديناميكا الحرارية الثاني، فإن الإنتروبيا*، أو الفوضى في العالم أو في الكون، تنحو دائماً إلى الازدياد؛ فأي شيء يحدث في الكون يؤدي إلى تبديد طاقة.. العـدم، وفقاً لهذا القانون، هو الإنتروبيا القصوى؛ أو أقصى حد من الفوضى، حيث لا يوجد ما يمكن تبديده.. لكن إن كانت الترعة هي باتجاه الإنتروبيا، كيف تحول العدم إلى شيء كبير جداً كـالكون؟ السبب، كما نعـرف اليوم، هو أن الإنتروبيا هي أحد وجهي عملة واحدة، حيث أن الجانب الآخر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار هو التناظر، أو Symmetry؛ الذي يعد خاصية كان لها تأثير كبير على الكون.. إذ إن كل ما هو متناظر، ابتداءً بالجسيمات الأولية وانتهاء بالكائنات الحية، يبدو أنه أكثر استقراراً.. إذا قمنا مثلاً بوضع جسمين درجـة حـرارهما متماثلة بجانب بعضهما البعض، لن يطرأ عليهما أي تغيير.. لكن لو كانت درجة حرارة أحدهما أعلى من درجة حرارة الثاني، فإن حرارتهما ستتغير؛ حيث ترتفع درجة حرارة الجسم البارد وتبرد درجة حرارة الجسـم الحار، ليصلا إلى تعادل.. وفي الكون، تقول النظريات المعتمدة من الوسط العلمي، إنه يجب أن تكون هناك كمية من المادة تساوي كمية المادة المضادة (ما يعني وجود تناظر)، وإذا حدث بينهما تماس فإنه سيؤدي إلى القضاء على كليهما، مـا يعني أنهما سيتحولان إلى عدم.. وبما أنه من غير الممكن، في العدم، تمييز جزء عن آخر، فإن ما هناك هو حالة قصوى من التناظر.. لكن ما وجده العلماء الآن هو أن التناظر لا يعني بالضرورة الاستقرار، حيث أن نظرية الكروموديناميكا الكمية Quantum Chromodynamics (والتي تصف تصرفات الكواركات* داخل نواة الذرة) تؤكد أن العدم ليس مستقراً؛ حيث يبدأ بشكل تلقائي بإنتاج أزواج من الكوراكات والكواركات المضادة، وهو ما دفع عالم الفيزياء من جامعة كولورادو فيكتور ستينغر إلى القول: «إلى حد ما، الوجود هـو حالة أكثر استقراراً من عدم الوجود».

كل ما سبق يتفق تماماً مع الصورة التي نعرفها عن اللحظات الأولى من حياة الكون بعد الانفجار العـظيم.. فترة التمدد في تلك اللحظات غمرت الكون بالطاقة.. نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتين تشرح كيف يمكن أن تتحول الطاقة إلى مادة (E=mc²)؛ والمادة تنتج عنها الجاذبية (فـكتلة الأرض هي التي تنتج تلك القوة التي تبقينا "ملتصـقين" بسطحهـا، وتبقي القمر في مداره)..
لذلك، مزيد من الطاقة يعني مزيداً مـن المادة (وفي حالة الكون هذا يشمل كل المادة) ويعني أيضـاً مـزيداً من الجاذبية (فمـزيد من النجوم والكواكب، يعني المزيد من الجاذبية) وفي هـذه الحالة، الجاذبية هي قوة معاكسة للتمدد الذي نشأ مع ولادة الكون.. هذا يعـني أن شـيئاً يمكن أن يأتي من لا شيء؛ حيث أنه إذا كانت الطاقة الموجـودة في العـدم تعـادل صفراً، فإن ذلك لا يعني غياب احتمال ظهور كون كامل من ذلك العدم؛ وهو أمـر يتفق مع مبدأ "انحـفـاظ الطـاقة" المعـروف بـ Conservation of Energy في عـلم الفيزياء.
لكن هذا التصور يرتكز إلى رؤية محددة، تعـتمد على صدقية قوانين الفيزياء التي نعـرفهـا.. إلا أن ذلك يقودنا إلى الاعتقاد بأن هـذه القوانين ووضعت قبل نشوء الكون نفسه؛ أي أن ما أدى إلى إنتاجها أمر خارج حدود الزمان والمكان.. الأمر الذي يعيدنا إلى التساؤل الأول: لماذا نجد قوانين الفيزياء موجودة بالشكل التي هي عليه الآن، وبما يسمح بوجود الكون بدلاً من العدم؟

نحن أيضا هناك! بعيداً جداً عن هنا.. في مجرة تشبه إلى درجة كبيرة درب التبانة، يوجـد نجم مماثل لشمسنا.. حول ذلك النجم؛ وعلى سطح الكوكب الثالث منه، الذي يعد توأماً لأرضنا، يعيش شخص ما: هو أنت.. هو لا يبدو مشابها لك فقط؛ فـهو أنت بكافة المقاييس.. وهو (أو أنت الآخر) في هذه اللحظة، يقرأ هـذا المقال.. غـريب؟ هـذه مجرد البداية.. هناك عدد لانهائي من المجرات التي تماثل مجرتنا، وفي كل منها "نسخ" عـنك وعن أفراد عائلتك، كان لكل منهم حياة مطابقة لحـياتك وحـياتهم، ووجبة الفطور التي تناولتها اليوم.. وجود هذه العوالم الموازية ليس مجرد تخمين فلسفي.. ولا يعتمد على نظريات عجيبة كتلك التي يتم استيحاؤها من ميكانيكا الكم، أو من أفكار الكون المتعدد التي تتفرع عنه أكوان جديدة باستمرار.. إذ أن ما ذكرناه يرتكز بشـكل رئيسي إلى النظرية الأكثر اعتماداً من قبل الوسط العلمي اليوم. لتفسير ما سبق، علينا القول إن النقطة الأبعـد التي يمكننا رؤيتها هي تلك التي تمكن الضوء من قطعها منذ ولادة الكون حتى الآن.. وتحديداً هـذه النقطة ستكون بعيدة عنا مسافة 13.7 مليار سنة ضوئية؛ وهـو الرقم ذاته الذي يمثل عـمر الكون.. أي نقطة أبعد من ذلك لن نتمكن من رؤيتها، لأنها لم تصلنا بعد.. وهـذه النقطة ستكون وراء الأفق الكـوني..
لكن رغم ذلك، نحن نعـرف أن شيئاً ما موجود هناك.. إذ إن دراسة إشعاع الخلفية الكوني (Cosmic Background Radiation) للانفجـار العـظيم تؤكـد أن الكون قد مـر بمرحـلة تمدد سـريع جـداً.. وإذا كان الأمـر كذلك حقاً، فإن هذا يعني أن وراء الأفق الكوني هـناك "كمية لا نهائية من الكون". الكون كالفقاعة، ووراءه هناك فقاعات كونية أخرى، وفي كل منها هـناك أفق كوني يحول دون رؤية مـا وراءه.. ولكل منها كان هـناك انفجار عظيم.. وكل فقاعة منها تعتمد على القوانين الفيزيائية ذاتها التي يعـتمد عليها كوننا؛ وأي اختلاف في تلك القوانين سيسفر عن أكوان مختلفة ربما لن تكون فيها حياة كالتي نعرفها هنا.

رغم ذلك، يبدو من غير المرجح العثور على كون مطابق تماماً لكوننا.. لكن ميكانيكا الكم تخبرنا بعكس ذلك؛ إذ أنه وبعد الانفجار العظيم، كان الكون "الفقاعة" محدود الحجم، وكان هناك فضاء "صغير" لاحتواء المادة التي سمحت فيما بعد بتكون المجرات الحالية.. لكن الفقاعات "القريبة" من كوننا، كان بها ترتيب مختلف قليلاً، وتلك القريبة من جاراتنا كانت بدورها تختلف قليلاً أيضاً.. وبين العدد اللانهائي من الفقاعات المماثلة، لا بد من وجود فقاعة أو أكثر مطابقة لكوننا. لكن ما الذي سيتطلبه العـثور على شـخص مطابق لك تماماً؟
ماكس تيغمارك من معـهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يقول إن العثور على نسخة مطابقة لك، يتطلب منك السفر مسـافة تبلغ 1 يتبعه 10 مليار مليار مليار صفر من الأمتار.. ما يعني ببساطة أنك لن تتمكن أبداً من الوصول إلى النسخة الثانية منك.. هذا وفق نظـرية الأكوان المتعـددة.. لكن الحديث عن أكوان مختلفة ليس حكراً عليها، فهناك أيضاً نظريات أخرى، مثل نظرية الأوتار الفائقة، تتحدث عن الأمر نفسه. ما يظهر من أن الكون "مصمم" بشكل خاص لنا، يقودنا إلى أن هناك أكواناً أخرى تعـتمد على قوانين فيزيائية مختلفة؛ الأمر الذي يعني وجـود أشـكال أخرى من ميكانيكا الكم؛ أشكال تتطـور بقصص ومسـتقبلات (جمع مستقبل) مختلفة، بما في ذلك مستقبلاتك أنت في أكوان منفصلة.

لكن السؤال الأساسي في هذا المقال يتعلق بسر الوجود.. هل نحن موجودون بالفعل؟ وإن كنا موجودين، لماذا؟ في القرن الثامن عشر، وصل الفيلسوف الإيرلندي جورج بيركلي إلى نتيجة مفادها أن الواقع هوالطريقة التي ندرك وفقها الأفكار غير المادية الخاصة باالله، بدوره قال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت إن الحقيقة الوحيدة هي: "أنا أفكر، إذاً أنا موجود".. لكن أفكاراً أخرى ظهرت منذ ذلك الوقت؛ 

 
بالنسبة لنيك بوستروم، الفيلسوف من جامعة أوكسفورد، قد يكون الواقع الذي نعيشه مجرد برنامج كمبيوتري أعده لنا كائن فضائي.. في هذه الحالة، "أنا" الكائن العاقل الوحيد في هذا العالم، في حين أن كل الآخرين مجرد شخصيات افتراضـية أو مجـموعة من الزومبي، تتحرك في عالمي بلا حياة أو عقل.. وفي نهاية المطاف، هل هناك سر للوجود فعلاً؟ يبدو أن الكون ظهر من العدم على شكل فقاعة تمددت ونشأت فيها المادة لتتشكل المجرات، ثم النجوم، ثم الكواكب، كالأرض.. ثم نحن.. بكل بساطة.

المصادر:
كتاب: الكون الأنيق ل برايان غرين
كتاب: التصميم العظيم ل سيفن هوكنج



إعداد: Eyad Abu Awad
تصميم: Achraf Bartya

شاهد ايضا مواضيع مشابهة